مسميات ومعتقدات


لا يثير الحدث أو الشيء في حد ذاته المشاعر والتبعات العاطفيه, ولكن اعتقادي وتفسيري لهذا الحدث هو ما يثير ذلك. عندما أتحدث الى شخص ما ولا يرد علي فأعتقد أنه يتجاهلني فإن ذلك يغضبني منه, ولكن نفس الموقف بنفس الطريقة مع اعتقادي بأن الشخص لم يسمعني نظرا لضجيج ما فإن هذا لا يثير غضبي إطلاقا..الاعتقادات والتفسيرات هي التي تولد المشاعر لا الموقف في حد ذاته إذن. أول من تحدث عن هذا المبدأ عالم اسمه "ألبرت إلييس" في نوع من العلاجات النفسية يسمى "العلاج السلوكي المعرفي" والذي يسعى لتغيير سلوك الفرد من خلال تغيير أفكاره ومعتقداته.

أعتقد أيضا أن إعادة توصيف الأشياء أو الأحداث بمسميات أخرى قد يغير كثيرا في ما تعتقده بخصوص هذا الشيء أو هذا الحدث وبالتالي عواطفك تجاهه وسلوكك في النهاية.

يستخدم الشيطان "خذله الله" هذا المبدأ أيضا ببراعة لتغيير سلوك وعمل الفرد وعادة ما يكون مضمون المسمى الجديد نقيصة تنتقص من اتزان الشخص النفسي أو نقيصة مجتمعية.

وهذه أمثلتي التي أشاهدها

يا خايب ياللي واخدين منك حقك
هذه الجملة شارحة لنفسها..أقول لنفسي دائما "منتهى الضعف أن يسلب منك حقك ومنتهى القوة أن تتنازل عنه" وهذا سمت النبي (صلى الله عليه وسلم) في فتح مكة..ولكن يأتي الشيطان ليعيد تسمية منتهى القوة بمنتهى الضعف ويصرفك عن "فمن عفى وأصلح فأجره على الله" وهو أشهر الأمثلة وأراها في نفسي وغيري كل يوم.

طبيب العيادة الخارجية بأحد المستشفيات العامة
يتردد المرضى على العيادة بأعداد كبيرة يوميا..ثمن تذكرة العيادة زهيد جدا مما يحفز البعض على أن يأتي ليطمئن على نفسه حتى وإن لم يكن يعاني من شيء مهم.."الراجل نازل يتفسح وقال بالمرة أعدي على الدكتور اللي قاعد جوة ده أوجعله دماغه" هذا ما قاله الطبيب..تغيير الاعتقاد من "فقير غلبان" الى "مستغل" يغير كثيرا من سلوك الطبيب..لكن يبقى خدمة المريض مهما كان درجة استغلاله عملا صالحا.

طبيب الامتياز تحت التدريب
في المستشفيات العامة يكون الضغط على الاطباء كثير..وتأتي النجدة عندما يكون لديك أطباء امتياز حيث يمكنك استغلالهم في "مشاوير" وتوفر على نفسك المجهود..بعض الأطباء يجيد هذا الاستغلال وهذا يثير ضجر أطباء الامتياز كثيرا وهو في عرف العمل مسمى "ديرتي" أو العمل القذر..بالرغم من أن هذا "المشوار" ليس من مهام الطبيب المتدرب وهو فعلا نوع من الاستغلال ولكن هذه التسمية تجعلك تنفر من مساعدة مريض لو لم تساعده لن يساعده أحد..وإن عرض عليك الأمر في صورة غير هذه فلن تتأخر لحظة واحدة مثل أن تساعد شخص ضعيف في عبور الشارع.
منتهى البراعة من الشيطان أن يدفع غيرك على استغلالك ليبغضك في شيء حسن.

الرجعية - التخلف - التشدد
لا أنكر أن هناك من الأفعال ما تستحق التوصيف ببعض هذه الأوصاف المذكورة وهذا شيء طبيعي..ولكن في كثير من الأحيان "وأعني الكثير" تستخدم هذه المسميات لما هو في أصل الدين بالفعل, والأكثر من ذلك قولبة المتدين في قالب غير محبب الى الذهن بمسمى أو بآخر, فهذا بالذات يجعلك تنفر من الشخص "وتنفر من فعل ما يفعله إذ يجعلك شبيه به" وهو في معظمه من الدين..هذه الحالة من النفور تراها في آخر سورة المؤمنون "فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون"

التعامل المعرفي مع لعبة المعتقدات والمسميات

ليس الهدف من كل ما قيل هو اقناعك بمعتقد أو تفسير دون آخر..فسواء تفسير "أنت يؤخذ منك حقك" أو تفسير "التنازل عن الحق قمة القوة" له منطقه المتسق والسليم وأنا لا أجادل على صحة واحد دون الآخر. فعلا ليس من حق الطبيب أن يستغل المتدرب لديه بهذه الطريقة واستغلاله في مهام خارج توصيف عمله. أيضا يوجد من المرضى من يستغل فرصة العلاج المجاني..أنا لا أناطح فكرة أو منطق بنقيضه ولكن أهدف من كل هذا شيئين أساسيين
أولا ليس دائما مواقف فعل الخير في الصورة المثالية "فقير غلبان كسير العين والصوت مؤدب الطلب" ولكن قد يكون مثلا "فقير قليل الأدب سليط اللسان بلطجي"..ولكن يبقى رغم كل هذا أنه عمل صالح وأعتقد أنه كلما زادت الصعوبات "استغلال - ضغط اجتماعي - غضب - غيرة الخ" كلما زاد عظم هذا العمل الصالح.
ثانيا تعديل التفسيرات والمعتقدات قليلا واستبدالها بأخرى أكثر عملية وواقعية عن الحياه يسهل كثيرا فعل العمل الصالح تحت الضغوط واتباع خطوات النموذج المعرفي التالي قد يساعد في هذا كثيرا.

هذا النموذج مأخوذ من نموذج ألبرت إلييس للتحكم في الغضب وقد أضفت عليه الخطوة الأولى في تحديد المرجعية
  1. أولا: مرجعية: وهو الدين والقاعدة التي تبني عليها العمل الصالح مثل "مساعدة المريض والسعي لقضاء حجة المسلم" وغير ذلك من الأعمال الصالحة. قم بتذكر هذا جيدا واجعله هدفا لك

  2. ثانيا: موقف: وهذا هو الحدث الذي تتعرض له ويثير لديك معتقدات بخصوصه مثلا " مريض سليط اللسان" ويتصرف بوقاحة

  3. ثالثا: معتقدات: وهذه هي تفسيراتي لما أراه أمامي "راجل قليل الأدب". هذه هي النقطة الأهم فهناك من المعتقدات ما يثير مشاعر سلبية تبعدني عن العمل الصالح مثلا "لابد من احترام الطبيب والمكان والتصرف ببالغ الأدب" هذه فكرة صحيحة ولكنها مثالية أيضا.

  4. رابعا: مشاعر: وهذه هي ما يترتب على معتقداتي وتفسيراتي من مشاعر "غضب - حزن - فرح الخ" إذا كان تفسيري هو التفسير الأول المثالي فإني قد أواجه مشاكل في استمرار تقديم العمل الصالح إذ سوف أشعر بالغضب أو بالإهانة أو بالضجر.

  5. خامسا: مراجعة : وهذه الخطوة هي استبدال الفكرة أو المعتقد المثالي الذي تبنيته "لابد من احترام الطبيب والمكان والتصرف ببالغ الأدب" بفكرة أخرى أكثر عملية وواقعية مثل " المرضى أنواع فيهم المحترم وفيهم قليل الأدب, فليعينني الله على قليل الأدب أساعده وأمنع قلة ادبه" فهذه الفكرة لا تناقض مبادئي وتساعدني على الاستمرار في هدفي من فعل الخير وتجنبني ضغط المشاعر الواقعة علي من الاعتقاد الأول.

0 التعليقات: