النص الديني في مجال الذاكرة والتواصل


يتميز الانسان بقدرته على التواصل مع أفراد نوعه وتوصيل ما لديه من معلومات لأقرانه.
يعتبر محتوى هذا التواصل هو ما يميز الانسان إذ أن بعض الحيوانات تستطيع توصيل معلومات لأقرانها فالحيوان الرضيع يعبر عن جوعه وأمه تستجيب, والحيوانات تعرف الخطر من سلوك أقرانها حين يشعرون بالخطر أيضا.
من ناحية أخرى لا تعتبر المعلومات المتواصلة بين الأفراد بيانات مثل الكمبيوتر,وإن ما يتم نقله من معلوملت هو محتوي العقل وخبرات مشتركة..ولكن ما معنى هذا؟؟
.تعتبر الذاكرة البشرية ذاكرة للخبرات..وكذلك التواصل هو تواصل لخبرات مشتركة عن طريق رموز التواصل وهي اللغة..مثلا نحن جميعا رأينا اللون الأحمر ورمزنا له بالكلمة "أحمر"...وهناك نكته عن فتاه شقراء كانت تحاول جاهدة أن تشرح لرجل عجوز كفيف منذ ولادته ماذا يعني اللون الأبيض!


يترتب على كون الذاكرة هي ذاكرة خبرات مسألة في غاية الأهمية لموضوعنا..إذ أن هذه الذاكرة قد تضلل عن طريق التداخل بين الخبرات وبعضها... إذ قد يؤثر معلومة جديدة على ذاكرة معلومة قديمة والعكس بالعكس.. وهذه الظاهرة تسمى Misinformation effect أو تأثير المعلومة الخاطئة


وقد تم بحث هذا الأمر نفسيا ومعرفيا..والوصلة السابقة فيها ما يكفي من الشرح والأمثلة
وحتى شهود العيان قد تضلل ذاكرتهم بعوامل عديدة..وأعتقد أن كل منا مر بمثل هذا التأثر قبل ذلك في حياته.


يتبين من هذه الرؤية للذاكرة والتواصل جانبا من أهم جوانب الحضارة الاسلامية يتمثل في قدرتها على حفظ النص "النقل"
لا أظن أن هناك إعمالا حضاريا موازيا لهذا..وهو يثير التعجب والاستغراب من هذه الأجيال المتعاقبة من العلماء الذين يصرون على نقل النص وفقط النص دونما الانطباعات وتأثيرها على المعلومات التي تنقل مع شعورهم بعظم وثقل هذه الأمانة
بلغ من هذا الاتقان والاصرار أنهم كانوا ينتقون الأفراد الذين يؤخذ منهم النص دون غيرهم اعتمادا على تمسكه بهذا السلوك
فالآن لا تستغرب الامام البخاري حينما رفض أن يأخذ من أحدهم حديثا بعد سفر طويل لأنه رآه يجتذب دابته بالطعام لينقلها من مكانها..فقد رفض السلوك..رفض مفهومه عن الأمانة.

حفظ النص على هذا النسق إبداع بشري بتوفيق وإرادة الله تعالى فالطبيعي أن يتبدل النص مع تبدل الثقافات والأماكن والأزمنة..لا لشيء إلا لأن ذاكرة الانسان تبتني من هذه الأشياء
لكم هو بليغ التأكيد في قوله تعالى "وإنا له لحافظون"

0 التعليقات: